Exit logo
نهر الفرات موسم السباحة المجانية و “التسييس” الخطر

نهر الفرات موسم السباحة المجانية و “التسييس” الخطر

الثلاثاء 13 آب

فادي بعاج

—————————-

يحمد الله أهالي دير الزور أن رفاهية واحدة في فصل صيفهم الملتهب بقيت لهم مجانية، كمان كانت من قبل الحرب، حيث في أيامنا هذه لم يبقى للسوري بشكل عام أي شيء بدون مقابل مادي، الذي يكون في الغالب فوق استطاعته المعيشية، وهذه الرفاهية هي هدية ربانية، ولا يستطيع أحد أن ينسبها له لا حكومة ولا نظام ولا اي شخص، هي السباحة بكل أنواعها الخاصة في نهر الفرات، وهنا بالفعل هي لها خصوصية لأهل الدير، لأن انواعها تختلف عن سباحة البحر أو برك السباحة الخاصة، هناك مايدعى بـ “التسييس”، وهو أخطرها ويحتاج لمهارات خاصة، هي سباحة طويلة هدفها قطع ضفتي النهر، ولكن مع شدة التيارة وقوته، يستلزم من السباح الصبر وفهم مسار النهر جيدا، ومن الممكن أن يأخذ ذلك وقتا طويلا، وهذا ما يتطلب لياقة بدنية عالية، بسبب أن قوة التيار تجعل من أي شيء يذهب مجبرا معه، والسباح هنا كل ماعليه مقاومته وسياسته أيضا، و من هنا جاءت التسمية “التسييس”، أي استعمال السياسة بحرفية مع التيار.

للأسف كنا نسمع كل صيف بوفاة شخص أو أكثر غرقا في نهر الفرات، والسبب هو محاولته الفاشلة لـ “التسييس”، هو خطر بكل ماتعنيه الكلمة، كان يقال أن السباح لا يجب أن يدخل الخوف إلى قلبه وهو يقوم بهذه المهمة الصعبة، وما عليه إلا الاستماع إلى نصائح المحترفين وفهم قواعد العملية جيدا، كان من يجيدها يفتخر بذلك في مقاهي المدينة، ويقوم بتعيير أصدقائه الغير القادرين على “التسييس”، لأنها ببساطة انجاز لا يقدره إلا ابناء المنطقة ويفهمون خطورته الكبيرة.

بعيدا عن المهمة المستحيلة للبعض “التسييس”، هناك اشخاص يكفيهم التواجد على ضفة النهر، والسباحة قليلا بعيدا عن المخاطر، ولا يفكرون ابدا بالتواجد على الضفة المقابلة الأخرى، هم يكتفون برحلتهم النهرية التي تتكون من مراحل الأكل والشرب وتدخين الأرجيلة، ولعب الشدة، وتبريد أنفسهم بين الحين والآخر بالغطس في النهر، الطعام عادة ما يكون عن طريق الشواء، والأرجيلة لها طقوسها في نهر الفرات، حيث توضع في الشاطئ ليبقى الماء يبردها من الحراراة العالية، وأيضا من يدخنها يجلس في النهر ليبقى منتعشا، كل الأجواء التي يصنعها الديريون مختلفة عن اي منطقة بالعالم، هي مدينتهم ويرون أن لديهم الحرية بفعل ما يشاؤون ولكن ضمن تقاليدهم الاجتماعية، هي رحلة ذكورية فقط، ولا يجب تواجد الجنس الآخر، يقال في الماضي أن سائحة أجنبية، قد نزلت إلى النهر بلباس السباحة، وتجمهر العشرات لرؤية هذا الحدث النادر، ولكن لم توثق هذه الحادثة حيث أنها وقعت قبل انتشار الموبايلات، وقد تكون اشاعة من شائعات المقاهي التي تنتشر بين الفينة والاخرى.

اليوم يفرح شباب ورجال الدير بالذهاب إلى نهرهم، يهربون من ضغط حياتهم الممزوج مع حرارة تتجاوز في أغلب الأوقات 40 درجة مئوية، هي رفاهية مجانية تعودوا عليها منذ زمن بعيد، ولكن انقطعوا عنها قليلا مع اشتداد الحرب وسيطرة “داعش” االتنظيم الذ كان يحظر السباحة في بعض المناطق، واحتكارها على عناصره فقط، ومع ذلك كان الديريون يكسرون ذلك الحظر ويسبحون عنوة عنهم، هم ثاروا بكل شيء ، ومن ينسى ذلك المشهد التظاهري الذي قام به مجموعة من الشباب بطلب الحرية وهم يسبحون في نهر الفرات العظيم.

Do NOT follow this link or you will be banned from the site!