وليد العبد الله
————-
للشرق منمناته السحرية الآسرة، فترف القصور وأبهتها ودهاء نساء ألف ليلة وليلة كانت تلهب مخيلة الكتاب والرسامين الغربيين، محاولين تجسيد ذلك من خلال رسوماتهم وقصصهم. كذلك الصحاري والبوادي المقفرة كان لهما وقع خاص لدى بعض أبناء الطبقات المخملية في الغرب.
الرقة، تلك المنطقة التي لا يعرف الكثير من تفاصيلها سوريون كثر، كانت محط عدد من الرحالة والمستكشفين، ولعل الكاتبة البوليسية أجاثا كريستي من أبرزهم.
من إنكلترا إلى الرقة
ولدت أجاثا كرستي في بلدة صغيرة بجنوب إنكلترا سنة 1890، وتوفي والدها وهي صغيرة. تعلّمت في البيت على يد أمّها التي شجعتها على الكتابة منذ طفولتها، أرسلتها والدتها إلى باريس وهي في السادسة عشرة لتتعلم عزف البيانو والغناء. أجادت أجاثا العزف لدرجة كبيرة إلا أن خجلها وخوفها من الظهور منعها من أن تكمل في هذا المجال.
وتعتبر أجاثا كريستي أعظم مؤلفة روايات بوليسية في التاريخ حيث بيعت أكثر من مليار نسخة من رواياتها التي ترجمت لأكثر من 45 لغة.
خلال الحرب العالمية الأولى تطوّعت أجاثا للعمل في أحد المستشفيات كممرضة لتساعد في علاج جرحى الحرب، وفي تلك الفترة تزوجت طيارًا اسمه آرشيبالد كريستي عام 1914، ومنه أخذت لقبها واحتفظت به بالرغم من انفصالها عنه عام 1928. تزوجت مرة أخرى عام 1930 من عالم الآثار الشهير ماكس مالوان الذي اكتشف مقبرة أور الشهيرة في العراق وأمضت معه سنوات كثيرة في العراق وسوريا ومصر.
تأثرت أعمالها ورواياتها بشكل كبير بحياتها الشخصية سواء من تعلمها الموسيقى أو عملها في المستشفى أو زياراتها إلى دول المنطقة العربية.
وفي عام 1930 انتقلت اجاثا كريتسي الى تل أبيض، وتحديدًا إلى منطقة نبع عين العروس حيث قضت شهر العسل هي وزوجها السير مالوان مدير المدرسة البريطانيا الأثرية في بغداد، حيث كان يترأس البعثة الإنكليزية التي تقوم بأعمال التنقيب الأثري في تلال أعالي البليخ.
يقع نبع عين العروس جنوب مدينة تل أبيض (نحو 3 كم) وشمال مدينة الرقة (79 كم تقريبًا)، بالقرب من الحدود السورية التركية وينبع منها نهر البليخ.
نزلت الأديبة العالمية عام 1935 في فندق بارون بحلب وهو من أشهر الفنادق آنذاك، وقامت بكتابة روايتها الشهيرة جريمة في قطار الشرق السريع، في الغرفة 213.
عين العروس ما بين الأمس واليوم
وعين العروس عبر تاريخها الطويل كانت مقصدًا للسياح من كافة المناطق السورية، تؤمها الناس بقصد الراحة والاستجمام، والتمتع بفرادة الطبيعة وسحرها، ومنظر المياه في انبجاسها وتدفقها الثر.
وكان أهالي المنطقة يتوجهون إلى عين العروس بقصد الاستشفاء في حمام علي إلى الشمال الشرقي من النبع، وزيارة مقام النبي ابراهيم عليه السلام، فسحر الطبيعة، وراحة النفس والجسد، وقداسة المكان التقت جميعها في هذه البقعة النائية.
ويوجد في عين العروس بقايا لطاحونة أثرية تعمل على الماء أنشئت عام 1910 وكان يوجد فيها مطار عسكري لجيش الشرق الفرنسي.
كانت عين العروس قديماً تحمل اسم الذهبانية وورد ذكرها في عدد من المراجع والمصادر التاريخية وقال عنها ياقوت الحموي في معجم البلدان: ((موضع قرب الرقّة فيه مشهد يزار وينذر له وعليه وقوف، وعنده عين نهر البليخ الذي يجري في بساتين الرافقة)).
وقد ورد ذكرها في كتاب أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك ابن لابن سباهي زاده، بالقول:
((وأوّل البليخ من أرض حرّان من عين يقال لها الذهبانية (بالذّال المعجمة والهاء والباء الموحّدة والألف والنّون والمثنّاة التحتيّة والهاء) ، ويسير مشرقا ويمرّ على ظهر مدينة الرّقّة من شماليها ثم يصبّ في الفرات اسفل من الرّقّة)).
إن تاريخ منطقة تل ابيض هو جزء هام وكبير من تاريخ منطقة (حران التاريخية) (والرقة) حيث تعتبر المنطقة قصبة ديار مضر من الجزيرة الفراتية وفيها من الآثار الكثير الذي يدل على أهمية المنطقة في التاريخ ذلك أنها تقع على منبع نهر البليخ. حيث خضعت للحكم الآشوري قبل الميلاد كما دلت الحفريات في تل الحمام وتل الصبي الأبيض . فتحها القائد عياض بن غنم في العام 18هـ صلحًا على عهد الخليفة عمر بن الخطاب.
المصادر والمراجع: