نجم الدين النجم
——————
يزداد المشهد السياسي تعقيداً في الشرق الأوسط كله، مع استمرار التوتر الحاد والأزمة الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران.
التوتر الحاد الذي ولّده انسحاب الولايات المتحدة المنفرد في أيّار/ مايو 2018 من الاتفاق النووي المبرم مع إيران سنة 2015، والذي تبعه عقوبات أمريكية على طهران، رفعت الأخيرة من حدته بعد إعلانها خفض مستوى التزامها ببنود الاتفاق فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم.
وتطورت الأحداث سريعاً وبدأت بعمليات متبادلة لاحتجاز ناقلات النقط بين طهران وحليفة الولايات المتحدة بريطانيا، لتصل التطورات بهذا الشأن إلى مستوى خطير، تجلّت بهجمات يُعتقد أنها تمت بواسطة طائرات إيرانية مسيرة، على منشآت نفطية في قلب المملكة العربية السعودية، الحليف الاستراتيجي لواشنطن في الشرق الأوسط.
شمال شرق سوريا بين واشنطن وطهران
مع التعقيدات التي أنتجتها هذه الأزمة في الشرق الأوسط كله، يتضح أن سوريا هي الحلقة الأضعف والأكثر تأثراً بالتصعيد الخطير الذي أقدمت عليه إيران بهجومها على منشآت شركة أرامكو النفطية السعودية، حيث إن سوريا تعتبر ساحة الحرب المجانية والمتاحة لأطراف دولية وإقليمية كثيرة، أولها إيران التي تتمتع بنفوذ سياسي وعسكري في مساحة واسعة من الجغرافيا السورية، ما عدا مناطق شمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها واشنطن وحلفائها على الأرض، والتي تضم بطبيعة الحال عدة قواعد عسكرية لقوات التحالف الدولي.
شمال شرقي سوريا أو شرق الفرات، مناطق تضم 3 محافظات رئيسية (الرقة، دير الزور، والحسكة)، وهي النقاط التي تسعى إيران جاهدة لاختراقها بشتى السبل، باعتبارها الجزء الأهم من الطريق البري الواصل بين إيران والعراق والعاصمة السورية دمشق.
هذا المشهد الجزئي في سوريا قد يكون بداية صراع أكثر حدة، ويفرض احتمال اشتعال حرب جديدة في المنطقة بين أطراف الصراع، وإن صحت الأخبار التي وردت حول تنفيذ طائرات حربية سعودية غارات جوية في أيلول/ سبتمبر على مواقع عسكرية إيرانية في البوكمال شرق دير الزور، لا بد أن نقول إن الحرب المصغرّة بين الأطراف المذكورة، قد تشتعل حقاً في أي لحظة.
شرق الفرات.. استقرار منتظر وشبح حرب جديدة
تخلصت مدن شرق الفرات من احتلال تنظيم “داعش” لها منذ قرابة سنتين، وتشهد هذه المناطق حالياً استقراراً محدوداً وبطيء التطور، وأهالي هذه المحافظات يدركون أهمية المناطق التي يقطنونها بالنسبة للدول الإقليمية والتحالف الدولي، وأهميتها لإيران على وجه التحديد، وهنا لا بد أن نسأل السؤال الأهم: ما موقف أهالي دير الزور والحسكة والرقة مما يجري؟ وما تأثير الهجمة على منشآت النفط السعودية عليهم؟
يقول أيمن أحمد من أبناء الرقة إن “أهالي وسكان شرق الفرات يتخوفون حقاً من توسع الرقعة المحدودة التي تسيطر عليها إيران وميليشياتها وقوات النظام السوري بريف دير الزور، بعد ازدياد حدة التوتر بين أميركا والسعودية من جهة، وإيران وميليشياتها الكثيرة من جهة ثانية”.
وأضاف: “مدننا وبنيتنا التحتية مدمرة بنسبة تتجاوز 70 %، والاستقرار محدود جداً، ونسبة كبيرة من السكان يعانون حقاً، ورغم أن الجهود المبذولة لتحقيق هذا الاستقرار ليست بالمستوى المطلوب أبداً، لكن آخر ما نتمناه هو اشتعال حرب جديدة في مناطقنا، كما أننا نرفض بشكل قاطع اقتحام إيران وميليشياتها الطائفية لمدننا وبلداتنا، هذا خط أحمر بالنسبة لجميع السكان هنا”.
من جانبه يقول عز الدين. ش من أهالي الحسكة: “هجمات إيران على السعودية خطيرة، ونتمنى أن يكون هذا خطأ إيران الأخير، ونرغب حقاً في أن تنتهي هذه الأزمة، بمحاسبة إيران على جرائمها وانتهاكاتها في سوريا، وطرد ميليشياتها من سوريا، بيد أننا لا نتمنى أن تندلع المزيد حروب الوكالة على أرضنا التي خرجت لتوها من الجحيم”.
ربى عبود من مدينة دير الزور تقول إن “محاربة إيران فعلياً يجب أن ترتكز في سوريا على تقوية خصمها الأول، ألا وهو الشعب.. الناس هنا هم أعداء لإيران، خصوصاً في شرقي الفرات، وعلى الولايات المتحدة والسعودية ودول العالم تقديم المزيد من الدعم لإعادة الإعمار ورفع مستوى الاستقرار، عندها سيكون الشعب أول من يقف بوجه إيران ومحاولاتها بنشر نفوذها العسكري والطائفي والثقافي”.
وسط هذه الأحوال السياسية المتوترة التي عمّت أرجاء الشرق الأوسط، جرّاء انعكاسات الأزمة النووية، يبدو جلياً أن سوريا ومحافظات شمالها الشرقي تحديداً هي المنطقة الأكثر هشاشة والتي من الممكن أن تتأثر بأي تطور جديد لهذه الأزمة.