Exit logo
نعوات وفاة فسبوكية بتقاليد ديرية

نعوات وفاة فسبوكية بتقاليد ديرية

الجمعة 29 آذار

فادي بعاج

 

في زمن ليس ببعيد كان الأهالي بدير الزور يتجمعون عند قدوم من يقوم بلصق نعوات الوفيات ليعرفوا من ذهب إلى ديار الحق، ومنهم من يتجرأ ويأخذ عنوة ورقة من الورقات التي بيد الشاب ليختصر بضع الثواني من الوقت ويعرف من هو المتوفي أو المتوفية، وهنا يستفيض غضب الشاب الذي يقوم باللصق من تلك الفعلة، ويتمتم بعض الكلمات المعبرة عن غضبه واشمئزازه، وهنا بالتحديد يُعرف الديري بأنه يُعظم كثيرا من عمله مهما كان سهلا أو بسيطا ويفتخر بما يقوم به، ومن باب الفكاهة فقط يقولون في دير الزور عن أمثاله “يحمل الدنيي مينية تقول قام يشتغل إلنا مو لألو”.

بالعودة إلى الطريقة التي كان يعرف بها الأهالي خبر الوفاة، وهي ورقة النعوة و الطريقة الوحيدة والمثلة لنعي العائلة متوفاها ومازالت متبعة حتى الآن في الكثير من المناطق السورية، كانت توضع النعوات في كل أحياء المدينة و يجب أن لا يغفل الذي يقوم بالمهمة أي منطقة مهما كانت صغيرة أو بعيدة، وغالبا من يأخذ هذه المهمة يكون من أقارب أو جيران المتوفى، و المارة في الشوارع هم يعرفون تماما أماكن وضع النعوات وهي أعمدة الكهرباء، ولابد أن يلقون نظرة إليها لمعرفة من الذي فارق الحياة ومتى موعد الدفن وأين سوف يقام “بيت العزاء” وفي دير الزور يسمونه بـ “العزيب” الذي له حكايا أخرى لايعرفها إلا أبناء المدينة، هو يختلف تماما عن مثيله في باقي المحافظات السورية، هو مناسبة قيمة لالتقاء الأقارب والأصدقاء والأحباب، ومن جبرته الظروف أن يعيش خارج دير الزور، فرصة لتبادل القصص والسوالف والذكريات وخصوصا ماهو جميل ومضحك منها، فترى كل مجموعة ملتفة حول بعضها ويتكلمون بصوت منخفض مع ضحكات متتالية يحاولون إخفائها مراعاة للمكان المتواجدين به، في أيام العزاء يترك الأقارب والجيران كل اعمالهم ويضعون أنفسهم في خدمة من يأتون لتقديم واجب العزاء، وترتيب كل ما يخص من بناء الخيمة الكبيرة وتنزيل وتوزيع الكراسي وتقديم الضيافة وخصوصا “القهوة المرة”، والعمل لمدة ثلاث أيام متواصلة دون كلل أو ملل، أما الأقارب والأحباب فهم لديهم وقت أكثر للعزاء يمتد إلى سبعة أيام على أقدر تقدير.

اليوم تغيرت كثير من العادات والتقاليد الديرية بتغير الزمن والظروف الجائرة بحق المدينة، الكثير اصبح يفارق الحياة خارج مدينته، أحيانا ذويه لايستطيعون دفنه فيها، كما يضطرون لإقامة دار للعزاء خارج مدينتهم وأطر تقاليدها، فيكون هناك تحديد للأيام ووقت العزاء المحدد من قبل الصالة التجارية، حيث يحدد يوم أويومين فقط مع تخصيص ساعات قليلة لتقبل التعازي مقسمومة بين النساء والرجال، لا يوجد مساحة لمن يود تقديم الواجب أكثر من مرة، وعليه أن لا يجلس طويلا لإتاحة المكان لغيره لأن بعض الصالات يكون عدد الكراسي فيها محدودا على عكس الخيم العملاقة التي كانت تنصب في أحياء دير الزور.

مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الفيس بوك، أصبح هناك عالم افتراضي بديل عن الشارع و الحارات، ظهر حائط تكنولوجي يُنشر فيه تلك الورقة المعلنة عن اسم المتوفى ومكان تقبل التعازي، لكن مع كل التطور التكنولوجي بقيت العادات الديرية محافظة على ذاتها ولو كان ذلك من خلال الحائط الأزرق “الفيسبوكي”، حيث أن الصفحات الديرية مازال على رأس أولياتها هو نشر خبر من توفى من أبناء المدينة وريفها، وهذا بالتحديد لانراه كثيرا في باقي الصفحات الناطقة باسم المحافظات السورية الأخرى، هم يتعاملون مع الموضوع وكأنه خبر عاجل حتى لو كان المتوقى في بلاد اللجوء، يقدمون مساحة في التعليقات لمن يود أن يترحم ويقدم الواجب إلكترونيا، وماتراه في التعليقات وكمية تعاطف أهل الدير مع بعضهم البعض يعيدك إلى الواقع الحقيقي، أو على الأقل ماكان عليه الوضع باالسابق المليء بالنخوة و الشهامة والوفاء.

Do NOT follow this link or you will be banned from the site!