Exit logo
عندما تشتري اللبن الخاثر في الرقة

عندما تشتري اللبن الخاثر في الرقة

الإثنين 13 آب

محمد جاويش

 ————-

داعبت وجهه شمس الضحى، ولفحت شعره نسمات الهواء العليل، شعور قديم تجدد في ذاكرة أبي عادل، الذي عاد مؤخراً من مدينة حماة إلى ملهى صباه ومسقط رأسه مدينة الرقة.

استيقظ أبو عادل من النوم، نظر إلى السماء يتأمل فرجًا قريبًا، أصوات مبعثرة تأتي من بعيد، زقزقة العصافير استبدلت بنعيق الغربان، فردد قائلًا: “أياباا يا نومة الحوش شزينها”.

دخل إلى الحمام ثم خرج،  توضأ فصلى.

و بعد أن تعمد أبو عادل إصدار أصوات عالية، وإغلاق الباب بقوة، لتفيق شريكة عمره أم عادل، استيقظت الأخيرة من نومها وهي تعلم أن زوجها يهيئ نفسه لتناول الفطور، فرح لذلك وقال لها: “رايح عالدويرة أجيبلك سطل خاثر ما ذفتي مثلو من زمان”.

ارتدى أبو عادل ثوبه وحذاءه (الكلابية و الكلاش)  ثم خرج،  نظر نظرة حزن ممزوجة بأمل كبير إلى حارته المدمرة، وقال في قرارة نفسه “الله يعين العالم منين بدها تعمر”، ثم بدأ يسير متجهاً نحو “دويرة الخضرة ” وهو يعاين الأضرار ويستحضر الذكريات،  وكلما رأى بيتًا مدمرًا دعا لصاحبه بالعون، وكلما مر بزاوية

 قص لنفسه قصة حدثت عندها، وقبل أن يصل بقليل اعتراه شعور أنه تأخر قليلًا،  وأنه لن يجد لبنًا جيدًا ( خاثر غنم)،  ولكنه يعلم جيداً أن” محمود الدكنجي” لن يرده خائباً، وما إن وصل إلى دكاكين المزارع، ورأى الجبن واللبن والحليب والخضروات حتى قال: “توني حسيت حالي بالرقة”. وصل أبو عادل إلى دكان محمود و ما إن رآه حتى كاد يقفز من خلف

الطاولة: يا حي الله عمي أبو عادل.. يا مرحبا

دخل الفرح و السرور إلى قلب أبو عادل وهو يفكر، يا إلهي ما ألطف هذا الرجل، ليس بيننا أي صلة قرابة، و لم أقدم له أي خدمة، و يذكرني جيداً و يكن لي كل هذا الاحترام،  فعلًا إنها الرقة.. أم الطيبين.

دار ذلك في ذهنه سريعاً ثم رد عليه: هلا بيك يا طيب

شلونك عمي أبو عادل؟شلون صحتك؟ عساكم بخير؟

الحمدلله الكل بخير والصحة جيدة الحمدلله، أنتم شلونكم؟

الحمدلله مو رجعنا عالرقة.. مرتاحين.

محمود أريدلي سطل خاثر على كيفك.

عمي أبو عادل أني ما عندي خلصت،بس أبشر الحز أروح على جاري عبود وأمنلك أحلى سطل خاثر.

الله يعطيك العافية والله ما تقصر أعرفك.

له يا عمي أبو عادل نحن أهل.

وما هي إلا دقائق معدودة حتى جاء محمود الدكنجي حاملاً معه اللبن.  اشترى أبو عادل بعض الخضروات، وهو يفكر في قرارة نفسه: “صارلي ثلاث سنين بحماة ما عمر حدا تلقاني مثل محمود”.

عاد أبو عادل إلى منزله ملقيًا التحية على كل من يمر يدربه، وكأن حياته انتعشت من جديد. وصل إلى المنزل و البسمة لا تفارق محياه،  وقص على أم عادل قصته،  و جلسا سويًا يتناولان وجبة الإفطار تحت سماء المدينة البسيطة.

Do NOT follow this link or you will be banned from the site!