Exit logo
نتائج البكالوريا في دير الزور بين الماضي والحاضر

نتائج البكالوريا في دير الزور بين الماضي والحاضر

الخميس 18 تموز

شهد الخالد

____________

صدرت منذ أيام نتائج البكالوريا العامة بفرعيها العلمي والأدبي في سوريا عموما، والكلام هنا عن المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، في دير الزور كان صدور النتائج خجول نوعا ما، لسببين الأول نسبة النجاح المنخفضة، والثاني أن عدد المتقدمين بشكل عام كان قليلا أيضا، ولكن رهجة صدور النتائج مازالت حاضرة مع تغير كبير مقارنة بأيام زمان، عندما لم تكن التكنولوجيا مقتحمة حياتنا بهذا الشكل الحالي.

عندما نتحدث عن المفارقات في حدث صدور نتائج البكالوريا، فأن ذلك متعلق أولا بالشأن الاجتماعي، حيث كانت ليلة وصول النتائج ليلا إلى دير الزور قادمة من العاصمة دمشق، مليئة بالصخب والترقب بين الأهالي، وهنا يكفي أن يكون هناك طالب بكالوريا واحد في البناء الذي يضم حوالي ثمان عائلات، أن يكونوا منتظرين النتيجة جميعهم ولا ينامون حتى وصول الخبر اليقين عن مجموع ما حققه الطالب، ينتظرون حتى يفرحوا أو يخففوا من حزن أهل الطالب.

في الحالة الأولى تعرفها من اشتداد وتوحد صوت الزغرودة “الهلهولة”، من نسوة الحي فرحا، وهن يستقبلون الخبر على شرفات منازلهم من أحد أولادهم ، حيث يكون ابناء الحي مرافقين الطالب في الذهاب إلى المدرسة ليعرف نتيجته، وبعض نساء البناية تكون مستعدة بسلاح فرح مهم، وهو صندوق صغير من “الكراميلا”، وبالتحديد “صفط ناشد وأخوان”، الماركة المحلية الشهيرة، لتحمله المهنئة متجهة إلى بيت الناجح وهي تهلهل بأعلى صوتها و “تطش” ترمي الكرميلا على الولد أو البنت الناجحة، هي لحظات كانت تكرر كل عام في نفس الوقت المتأخر، وهذا لا يهم لأن حضور الفرحة الأولى أهم كثيرا من النوم وخصوصا لنسوة الحي.

في الحالة الثانية وهي رسوب من يُنتظر نتيجته، هنا يتحول البيت تماما لعزاء، ولو لساعات قليلة، لأن الأم تستقبل هذا الخبر الفاجع بالعويل والنحيب، وأحيانا كثيرة بضرب ابنها أو ابنتها، وهنا مهمة الجيران للدخول ومنعها وتهدئتها والتخفيف عنها واعدينها بأن العام القادم سوف يكون أفضل وينجح من رسب. هنا نتكلم فقط عن النسوة، كون أب الطالب يكون متواجد خلف الكواليس فرحا أو حزنا، يسمع من بعيد، كونه يخجل من التواجد في غرفة مكتظة بنساء البناية في وقت متأخر من الليل، وهذا يشفع لابنه ان رسب من فورة دم أبيه غضبا كونه لا يستطيع الظهور وضرب الابن، وحتى الصباح تكون نار الأب قد هدأت وبدأ التفكير والتحضير للعام القادم.

اليوم اختلف الوضع بما يتعلق ترقب صدور نتائج البكالوريا، لم تعد تأتي ليلا، وبالطريقة البدائية اليدوية الجميلة، أصبحت تصدر الكترونيا وذهبت طعمة الفرح الجماعي والتجمهر على شرفات البيوت، يمكن القول أن التكنولوجيا بهذا الشأن أفسدت شيئا جميلا كان يربط الأهالي فيما بعضهم البعض، وهذا أمر من أمور كثيرة أيضا أفسدها التطور التكنولوجي وجعل من التواصل الحقيقي الملموس والمباشر، إلى تواصل افتراضي من وراء شاشات الهواتف النقالة، وبالطبع له محاسن كثيرة يطول الحديث عنها وعلى رأسها أنها سهلت التواصل بين الأهالي والأصدقاء رغم بعد المسافات الطويلة بينهم.

اليوم يعاني أهالي دير الزور حتى مع صدور النتائج الكترونيا، فالشبكة العنكبوتية ضعيفة جدا وأغلب الوقت منقطعة، ونرى على الصفحات “الفيسبوكية” من يعرض المساعدة على الأهالي ويطالبهم بإرسال الرقم الامتحاني للطلاب حتى يبحث لهم عن النتيجة، وناهيك عن تغير التفكير بالمستقبل و تراجع الآمال، هم خائفون على ولدهم، يريدون له الذهاب إلى الجامعة بالدرجة الأولى للتخلص من شبح التجنيد والذهاب إلى العسكرية، هم فاقدين الأمل اليوم وينتظرون الغد لعله يرجع لهم شيئا مما ضاع منهم في الأعوام التسع الماضية.

Do NOT follow this link or you will be banned from the site!