Exit logo
كيف يتجنب الفراتيون الإصابة بالعين؟

كيف يتجنب الفراتيون الإصابة بالعين؟

الأربعاء 24 تشرين الأول

وليد العبد الله

———–

لسكان وادي الفرات كغيرهم من الناس، الكثير من المعتقدات التي يؤمنون بها، وهي ما تزال حاضرة حتى يومنا هذا. وإن كان الكثير منهم يرفض، ولو قولًا، الاعتقاد بمثل هذه الثقافة، بدواعي والمدنية والعلوم الحديثة. ولكنه حالما تحل به نائبة أو مصيبة تراه يسقط هذه الثقافة المتوارثة على الحدث الذي ألم به. ومن أبرز هذه المعتقدات الإصابة بالعين والذي هو ناتج عن الحسد بحسب المعتقد الدارج، ليس في وادي الفرات فقط، بل في الكثير بلدان العالم.

يؤمن سكان وادي الفرات بشكل كبير بالإصابة بالعين، وهي عقيدة قديمة آمنت بها الحضارات التي تعاقبت على المنطقة كحضارة السومريين والأكاديين.. إلخ، وقديمًا كان يُعتقد أن أرواحًا شريرة هي التي توقع الأذى نتيجة الإصابة بالعين، وتتلخص فكرة الإصابة بالعين بصورتها الحالية في أنه إذا شاهد إنسان ما خيرًا عند إنسان آخر أو شاهد شخصًا أو شيئًا جميلًا أعجبه، ولم يقل “ما شاء الله” أو “يصلي على النبي” فإن خطرًا ما سيصيب ما وقع عليه بصره، وعين العاين تصيب بمجرد وقوع النظرة على الشيء، وإن لم يتعمد صاحبها الأذى، ولذا اتخذت الحمائل الخاصة بمقاومة عين الحسود أيضًا.

ولا تقتصر الإصابة بالعين بين البشر، فقديمًا كان يعتقد أن بعض الحيوانات التي لعيونها بريق تستطيع الإصابة بالعين كالحية والثعلب والقط والطاووس.. إلخ.

ولحماية النفس من العين، استخدم الناس الخرز والتعاويذ، وهي كثيرة عند أبناء وداي الفرات، وتعالج “الخطفة” أو “النظرة” لدى الصبيان، بتعليق سن ثعلب أو سن هرة على الصبي، لأن تلك الأسنان تجعل الأذى يهرب، كما يهرب الأذى أيضًا من تنقيط شيء من صمغ “السمرة” وهي شجرة من شجر الطلح بين عيني النفساء، وخط شيء منه على وجه الصبي خطاً، فلا تجرؤ الجنية على الاقتراب من الصبي، ويقال لذلك “النفرات”.

وأكثر ما يخاف أهالي وادي الفرات من الإصابة بالعين على أطفالهم، وخصوصاً الذكور منهم، فنجد لديهم العديد من التمائم، ولدرء هذا الخطر يضع الناس في وادي الفرات بعض التمائم لطرد العين الشريرة عن الأطفال، كأن يعلقون “خضرمة” “وهي عبارة عن قطعة صغيرة من الزجاج الأزرق الخشن مثقوبة من الوسط” بشعر رأس الطفل من فوق أذنيه، وممكن أن تعلق في شعر ناصية الطفل.

كما يعلقون حليًا ذهبيًا إما على قبعة الطفل أو كتفه، أو بشكل طوق يلبسه في حلقه، وتسمى “جنادة” أو “محمدية” وذلك لصرف العيون إليها بدلًا من التحديق بوجه الطفل، ومن هذه الحلي قطعة ذهبية تسمى “ما شاالله” مكتوب عليها عبارة “ما شاء الله”، وسن ذئب ملبس بالذهب ما عدا طرفه، ومعلق به شراشيب ذهبية.

وهناك طريقة قديمة للاستشفاء من الإصابة بالعين وهي أنه إذا مرض الطفل وقدر أهله أن مرضه بسبب عين أصابته، وهذا التقدير ليس عشوائيًا إذ إن هناك عرافات مختصات بهذا الموضوع، فتقوم إحدى هذه النساء بوضع غربال فوق رأس الطفل، وتضع في وسطه طاسة تحتوي على ماء، وتضع حول الطاسة قطع خبز وقشور بصل وأعواد حطب، ثم تذيب قطعة رصاص صغيرة في ملعقة نحاسية بتسخينها على النار ثم تصب الرصاص المذاب في الطاسة وتعيد هذه العملية سبع مرات، وفي كل مرة يتجمد فيها الرصاص في الماء تشبّه العرافة ناتج التجمد بشكل شخص تعرفه تتوقع أنه هو الذي أصابه بالعين، ثم تحضر ورقة ودبابيس فتأخذ دبوسًا وتغرسه بالورقة وتقول في عين فلان حتى يصبح عدد الدبابيس المغروسة بعدد الأشخاص الذين تشك بهم أنهم وراء إصابة الطفل بالعين وتردد أثناء هذا الطقس مجموعة من الأبيات نذكر منها:

يا عين عنك جنبي/ ألف الصلاة على النبي.

يا عين عنك صدي/ مقلوعة بالود.

ويذكر الباحث الراحل عبد القادر عياش بعض طرق الوقاية من الإصابة بالعين والتي يستخدمها الناس في وادي الفرات إذ يقول: “يضع الأهالي سكيناً صغيرة، وملحًا في كيس صغير تحت وسادة الطفل مع مقص وقطعة خبز يابسة، وبعضهم يضع قرآنًا صغيرًا.

كما يلبسون الطفل طاقية تسمى “قبعاً” عليها ريش نعام أو ديك من الأمام لطرد الجنية، وعرف الديك من المنفرات أي الأشياء التي تخيف الجن فينفرون أي يهربون، ولا يتقربون من حامل المنفرات”.

ومن الأشياء التي تبعث للطرافة لدرء الإصابة بالعين، أن يعلق بعض الأهالي نضوة حصان أو حذاء صغير على باب الدار، أو على العربات التي تجرها الدواب أو السيارات، حيث تستخدم لمنع الإصابة بالعين وكأنها رد على كل من يريد أن يصيب أصحاب هذا الملك بأي أذى أو ضرر.

Do NOT follow this link or you will be banned from the site!