Exit logo
جرداق الدير .. الذكرى الجميلة التي تشبه مدينة البندقية

جرداق الدير .. الذكرى الجميلة التي تشبه مدينة البندقية

الخميس 18 نيسان

فادي بعاج


دير الزور من المدن الكثيرة التي لديها طقوس خاصة بقدوم فصل الربيع، وانتهاء حقبة البرد الصحراوي القارص ، كونها تشبه مثيلاتها حول العالم اللواتي يحتضن أنهر جميلة، ولا يوجد أجمل من الفرات في أعين الديريين، الذين ينتظرون عدول المناخ حتى يتحتفلون بالربيع في المقاهي والمطاعم التي تشرف على النهر، حيث أن الكثير من الأماكن الترفيه تلك، تقفل أبوابها خلال فصل الشتاء ، كونها تعتمد بالأصل على جلساتها الخارجية في الهواء الطلق، وهو مايعرف باسم “الجرداق” الذي تطوّر كثيرا ، وتغير مفهومه في بعض الأماكن، فما هو الجرداق؟ هو المكان الذي يستقبل زبائنه ويقدم خدمات تتوسط بين تلك التي يقدمها المقهى، والأخرى التي المقدمة في المطعم، أي يقدم بعض المشروبات بدون وسائل التسلية الموجودة في المقاهي، ويعتمد على المشاوي فقط إلى جانب نوع أو نوعين من السلطات العربية، ليس هناك خيارات كثيرة أمام الزبون الذي يأتي أصلا بهدف التمتع بالمناظر الخلابة المطلة على نهر الفرات، ولا يمكن أن يخرج من ” الجرداق” خاوي المعدة بل عليه التلذذ باللحمة المشوية ، مع المتعة السمعية حينما يستمع لأغاني التراث الفراتي والعراقي ايضا، وخصوصا “المولية الديرية”.

يختلف الديريين القدامى حول أصل كلمة ” الجرداق”، منهم من يعتبر أصلها تركي، والآخر يقول عنها كلمة فارسية وتعني: أربعة عواميد، والمقصود بها العريشة التي سطحها مسقوف من الحطب والخيزران، وهكذا صمم هذا المكان الذي يعود وجوده في دير الزور منذ القرن التاسع عشر ميلادي، ولكن مع تطور المدينة وتقدم الزمن، تغير “الجرداق” وأصبح يفقد بساطته وتحول إلى مطعم مختلف المواصفات، هناك من جعله مكان يستقبل العائلة بكل أفرادها وخصص مكان لألعاب للأطفال، وزاد من قائمة الطعام لتصبح تحتوي على أصناف ما لذ وطاب، ومنهم من غيره إلى مقهى “خمس نجوم” بأسعار غالية نسبيا مع توفير وسائل ترفيه تجذب الرجال من طاولات زهر و شدة الورق والأراكيل، وبالتالي طغت هذه الوسائل على الطبيعة الخلابة التي هي المفروض أن تكون مصدر الترفيه الأول في الجرداق.

هذه الأماكن بالذات استحدثت مع افتتاح الكورنيش البعيد نوعا ما عن منطقة “الحويقة” التي كانت فقط هي من يحتضن الجراداق، الذي تحول مفهومه إلى تجاري بحت متعديا على تراثه القديم، لكن بقي الكثير من أصحاب الجراديق القدامى محافظين على مبادئهم وخصوصا تلك التي تعتبر أصلية والواقعة على جانبي الجسر المعلق الشهير، وتتخذ أسامي شهيرة عالقة بذاكرة الديريين، مثل “الشاطئ الأزرق” و “القاهرة”.

اليوم لم يعد “الجرداق” متواجدا، وكيف يكون ذلك والجسر المعلق مازال مهدما ومكسور الخاطر، مثل الكثير من الديريين في الداخل والخارج حزانى على مدينتهم وذكرياتهم التي أصبح استعادتها إلى أذهانهم يسبب وجعا كبيرا لا يوجد علاجا له، ماهُدم في أنفسهم مشابه للدمار الذي لحق بمدينتهم الجميلة التي كان يوصفها البعض بمدينة البندقية الأيطالية كون نهر الفرات يخترقها لمسافات شاسعة، لكن ما نشاهده على الحائط الأزرق “الفيسبوك” من آمال الديريين على صفحات المدينة المختلفة، يُبشر أن هناك حنين كبير مليء بالأمل لعودة مدينتهم وجسرها المعلق وجراديقها إلى واقعنا الحاضر، ولو تسنى للكثير منهم لعادوا وشاركوا بأيديهم دحر الدمار، والبناء من جديد لما تحطم في مدينتهم وبالتالي إعادة إعمار ماتهدم بداخلهم.

Do NOT follow this link or you will be banned from the site!