Exit logo
الجولة … رحلة السفاري الفراتية ولكن بلا وقود

الجولة … رحلة السفاري الفراتية ولكن بلا وقود

الثلاثاء 07 أيار

فادي بعاج


لا تكتمل فرحة أهل الفرات بالموسم الربيعي الحالي الذي جعل من “الجولة” كما يحلو لهم تسميتها، مساحات خضراء قلما رؤيتها بهذا المنظر الخلاب، ولكن أمطار هذا العام الجيدة والغزيرة في بعض الأيام، كانت خيراً على مساحات الصحراء الشاسعة التي تحيط بمدينتي الرقة ودير الزور، حتى أن طريق السفر بين المدينتين أصبح يسلي الأعين بعيدا عن الملل الذي كان يسببه لون التراب البني، ولكن ما الفائدة من ذلك اذا لم يستطع الأهالي الوصول إلى الجولة والمبيت فيها مع أزمة الوقود المنتشرة في سوريا ككل.

هناك من يسمي الجولة بـ “البريّة”، ويمكن القول أن في أيام الجمع بفصل الربيع، كان أغلب أهالي الدير يتواجدون فيها، لدرجة أنك تشعر أن حياة البدو عادت من جديد، وانتشار الخيم في “الجولة” يكون تقريبا على مد النظر، هذا في الزمن الماضي الجميل قبل الحرب، والأجمل من ذلك قبل الحداثة التكنولوجية عندما كان الذهاب والمبيت إلى هناك هو الخلوة بالنفس والأصدقاء والانقطاع عن العالم الخارجي البعيد عدة كيلومترات فقط، لم يكن هناك انترنت ولا هواتف نقالة، فقط يصطحبون معهم مسجل “كاسيت” يعمل على بطارية السيارة، للاستماع لأغاني الطرب وخصوصا العراقي منه، كما يستفاد من البطارية أيضا لإضاءة الخيمة داخليا بـ “العتريس”، وهو لمبة صغيرة تعطي إنارة متوسطة لكنها غير مستهلكة للكهرباء، أما الإنارة الخارجية فتعتمد على إشعال الحطب و بعض دواليب السيارات التالفة .

أيام المبيت مختلفة بحسب المجموعات والأمكانيات، منها مساحة الخيمة والمعدات التي تمتلكها كل مجموعة من الأصدقاء أو الأقارب، منهم من يذهب لمدة تتجاوز اليومين ويصطحب معه كل ما يحتاجه ليعيش حياة “السفاري”، وغالبا تبيت العائلات ليلة واحدة لعدم مقدرة النساء على استحمال الابتعاد عن منازلهم، أما الشباب فهم يستمتعون كلما زادت فترة المبيت، ويتحدون فيما بينهم بالفترات الطويلة التي يقضونها في “الجولة”.

كانت أغلب السيارات في مدينتي دير الزور والرقة ، هي من نوع “البيك أب” وكله بهدف رحلات “البريّة”، فمن لديه سيارة عادية يُحرم من تلك المتعة، وأكثر مايمكن تحقيقه هو الذهاب لساعات قليلة إلى أطراف المدينة من دون التوغل بالصحراء واستكشاف الأماكن الجميلة، ممكن القول أقصى ما يحصل عليه هو غذاء وجلسة شرب الشاي في الهواء الطلق.

 كان الخميس وهو اليوم المعتاد لشد الرحال إلى المبيت، و الانطلاق يبدأ عند ساعات الظهر، ويكون الطريق المؤدي إلى “الجولة” مليء بأسراب سيارات “البيك اب” المحملة بالمعدات والغذاء والبشر أيضا، مع قليل من الأهازيج والغناء على ايقاع الطبلة، الآلة الموسيقية المرافقة لرحلات الجولة دائما، أن كان في فترة الطريق وليلاً أيضا لغناء أبيات “المولية” بنوعيها الديري والرقاوي.

الكثير من أبناء المحاقظات السورية الأخرى يستغربون حب أهالي الفرات لـ “الجولة” والمبيت فيها، ويعللون دهشتهم أن لا هناك أشجار ولا نهر ولا ينابيع، مثل تلك المتواجدة على سبيل المثال في غوطة دمشق، لكن هنا يبرز سر تعلق الأهالي وعشقهم لرحلات “الجولة”، هم يحبون التراب كثيرا وكيف يغمسون أوتاد خيمهم به، كيف يختارون التلل المرتفعة قليلا خوفا من حدوث أمطار وبعض السيول، وهذا الأمر غالبا مايستغرق وقت لاختيار المكان المناسب، واتخاذ قرار يجب أن يتحد عليه المشتركين بالرحلة، يمكن القول أن الديري والرقاوي يستمتعون بكل مراحل المبيت، بدءاً من التخطيط في أحد مقاهي المدينة، وتوزيع المهام فيما بينهم لشراء وتحضير كل مايلزم وانتهاءاً بالعودة بعد الرحلة إلى منازلهم، من يصدق أن هناك من يعمل فقط في آجار الخيم للعامة، والسيارات أيضا فقط بهدف المبيت، رحلة الجولة المليئة بالفرح والأسرار الممتعة من الممكن أن تحدث مرة في السنة وخصوصا لأولئك متوسطي الدخل، بالنهاية هي ذات تكلفة ليست بالقليلة.

اليوم لا يستطيع الأهالي احتمال تلك التكلفة، بل أنهم لايملكون وسيلة النقل التي تأخذهم إلى الجولة، فلا بنزبن ولا مازوت موجود في المدينتين، وأغلبهم لم يبقى لديه سيارة “البيك اب”، قد يكون باعها ليعيش بثمنها، أو سرقت أو احترقت في الحرب التي مرت على منطقة الفرات والتهمت مايمكن التهامه، لكنها لم تتمكن النيل من “الجولة” والتي هنا تكمن قيمتها الطبيعية، وهذا بالطبع لحسن الحظ، حيث بقي للأهالي على الأقل “جولتهم” التي يأملون بزيارتها والمبيت فيها عن قريب.

Do NOT follow this link or you will be banned from the site!