Exit logo
جسر الرقة القديم

جسر الرقة القديم

الخميس 20 أيلول

 وليد عبد الله

 ———-

الجسر القديم في الرقة ليس جسراً عادياً بالنسبة للرقين؛ إنه جزء من تاريخ مدينتهم الموغلة في القدم، والمتجذرة بالعراقة. وبسبب هذه المكانة رفيعة المستوى التي يحظى بها الجسر، تجده قد فرض نفسه حتى على الأغنية الشعبية الفراتية، التي تقول:

ومن فوك جسر الركة ….عدا وسلم عليا بايدو

وما كدرت أرد السلام….. خاف يكولون تريدوا

اليوم، هذه المحبوبة لم تعد تخشى من رد السلام على حبيبها، لا خوفًا من اعتقالها من قبل عناصر الحسبة لدى داعش..!! بل لأنه لا يمكن له المرور من فوق الجسر، فالجسد الفاره الذي يصل الشامية بالجزيرة  والشاهد الكتوم على كل تفاصيل الرقة صغيرها وكبيرها، قد قطعت أوصاله الحرب الضروس التي مرت على الرقة لهزيمة داعش منها عام 2017.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الجسر لأعطال، ففي عام 1945 أصيب بتهبطات في وسطه، وسرعان ما تم إصلاحه وترميمه.

قبل سنة1942، وهو العام الذي تم فيه تشييد جسر الرقة القديم، لم يكن الوصول إلى مدينة الرقة عبر نهر الفرات من جهة الجنوب أمرًا سهلًا، فلقد كانت هذه المشكلة من أكبر المشاكل التي تعطل مصالح الناس. حددت السلطات الفرنسية آنذاك أماكن العبور وساعات العمل للسفن، وتبدأ منذ ساعات الفجر الأولى حتى مغيب الشمس وذلك لاعتبارات أمنية. وليس من قبيل الصدفة أن تكون أماكن عبور ووقوف السفن أيام الفرنسيين هي ذاتها التي تقف فيها السفن والباركات في وقتنا الحالي.

لقد منحت الظروف الدولية الفرصة لبناء الجسر القديم إبان الحرب العالمية الثانية في ربيع عام 1942، وخاصة بعد هزيمة فرنسا أمام ألمانيا الهتلرية، حيث أن مصلحة الحلفاء ارتأت أن تبني جسرًا على نهر الفرات في مدينة الرقة،  وذلك لتأمين  السرعة لتنقل الجيوش بين شمال منطقة الشرق الأوسط وجنوبه، في وقت أصبح الشرق أرض معارك ضارية وشرسة بين المعسكرين المتقاتلين، ولذا بُني جسر الرقة الأول، وهو ثاني جسر في التاريخ يبنى على الفرات في الرقة منذ عهد هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي حتى تاريخ بناء جسرها الأول الحديث أوائل الأربعينيات من القرن الماضي.

 لقد بني جسر الرقة في فترة زمنية سريعة جدًا، وفي قمة فيضان النهر، واليوم توجد لوحة على مدخل الجسر، مكتوب عليها نص باللغة اﻹنجليزية، وفيما يلي ترجمة نص اللوحة “سمي هذا الجسر “جسر غت” باسم بانيه الذي صممه في ثلاثة أيام وأكمل بناءه في أربعة أشهر ويومين منجزًا أعماله في أوج الفيضان الربيعي، أمنت العوارض من صهاريج النفط المحترقة بفعل أعمال العدو الحربية وأمنت الركائز من أنابيب النفط المجتلبة من بغداد ومن أماكن بعيدة أخرى، بدأ العمل بالجسر في 13 كانون الثاني عام 1942 وافتتح للنقليات في 10 حزيران سنة 1942″.

أمّن بناء الجسر القديم على نهر الفرات فرصة عمل للكثير من أبناء المنطقة آنذاك حيث كانوا يعانون من بطالة ومن فقر مدقع، إذ أن اقتصادهم بدائي للغاية يعتمد على رعي الأغنام وزراعة بعض المزروعات البسيطة كالذرة البيضاء والعوين والقمح  والجبس.

كانت أجرة العامل تتراوح  مابين “فتية إلى نصف فتية”، وهي نوع من أنواع العملة كانت متداولة في ذاك الوقت.

 إذ أنهم قاموا برصف أرضية العوارض الإسمنتية بالحجر الذي كانوا يجلبونه على ظهور الحمير والبغال  من سفح هضبة البشري التي تحاذي نهر الفرات من الجهة الجنوبية. بعد انتهاء تشييد الجسر اقتصرت الفائدة منه فقط على سهولة تنقل السكان محليًا، بين ضفتي النهر والأرياف، وكذلك بين الرقة ومدن الداخل السوري وخاصة مدينة حلب العريقة، والتي تعتبر العاصمة الاقتصادية لسوريا.

Do NOT follow this link or you will be banned from the site!